كان يا ما كان في قديم الزمان، صيّاد ماتت زوجته وتركت له بنتا اسمها زليزلة. تزوّج الصيّاد امرأة أخرى، فولدت منه بنتا سمّياها خنيفسة. صارت الزوجة الجديدة تحقد على زليزلة وتغار منها، وتهينها وتكلّفها بكلّ أعمال البيت. أمّا ابنتها خنيفسة، فكانت تريحها وتدلّلها. كبرت البنتان وزاد حقد زوجة الأب على ربيبتها زليزلة وفي يوم من الأيّام قالت لها: يا زليزلة اذهبي عند مامّا الغولة التي تسكن وسط الغابة واستعيري منها غربالا لنغربل الدقيق. أطاعت زليزلة ومضت إلى بيت مامّا الغولة.
وبينما هي تسير، قابلت نخلة باسقة وقالت لها: السلام عليكم أيّتها النخلة. طولك رائع رائع! قالت النخلة: وعليك السلام يا زليزلة. جعل الله طولي في شعرك لا في رجليك.
وفي الحال، طال شعر زليزلة الأسود الناعم حتّى بلغ كعبيها.
تابعت زليزلة سيرها فالتقت بشجرة ورد وقالت لها: السلام عليكم يا شجرة الورد. وردك أحمر جميل! أجابتها الشجرة: وعليك السلام يا زليزلة. جعل الله احمراري في خدّيك لا في عينيك. وفي الحال، صار خدّا زليزلة أحمرين ورديّين. واصلت زليزلة سيرها، فلقيت بائع سمسم وقد انقلبت عربته فتشتّت السمسم
على الأرض. أقبلت زليزلة تساعده في لمّ السمسم. ولمّا انتهت، شكرها البائع وحشا جيوبها بالسمسم.
أخيرا وصلت زليزلة إلى بيت الغولة. فوجدتها جالسة أمام الباب وقد كان شعرها أشعث، قالت لها زليزلة: السلام عليكم يا مامّا الغولة. أجابت الغولة: لو ما سلامك سبق كلامك لأكلت لحمك قبل عظامك! ماذا تريدين؟
قالت زليزلة باحترام: أريد أن أستعير منك الغربال.
قالت الغولة: عليك بتنظيف البيت أولا! ونظّفت زليزلة بيت الغولة ورتّبته.
قالت الغولة لزليزلة: تعالي فلّي لي رأسي، القمل يضايقني! جلست زليزلة تفلّي رأس الغولة وتضع السمسم سمسمة سمسمة في فمها وتمضغه و هي تردّد: قملك حلو يا مامّا الغولة.
ورضيت الغولة عن زليزلة فأخذتها إلى بئر قريبة وأدلتها فيها وقالت: يا بئر، يا بئر، أعطيها الكثير من الذهب. يا بئر، يا بئر أعطيها الكثير من الألماس. يا بئر، يا بئر أعطيها الكثير من الجواهر. ثم أخرجتها من البئر وأعطتها الغربال.
رجعت زليزلة إلى بيت أبيها بشعرها الطويل الجميل وبخدّيها الورديّين وقد تحلّت بالجواهر والألماس. فسألتها زوجة الأب حاقدة: من أين أتيت بهذه الأشياء؟ قالت زليزلة: مامّا الغولة هي التي أعطتني هذه الجواهر. قالت زوجة الأب في نفسها:
سأرسل ابنتي خنيفسة إلى الغولة لترجع الغربال وتأتي هي أيضا بالحليّ والجواهر.
في اليوم التالي، اتّجهت خنيفسة نحو بيت مامّا الغولة. وبينما كانت تسير، رأت النخلة الباسقة فقالت لها:
ما بك يا نخلة، طويلة وبلهاء!
ردّت عليها النخلة: جعل الله طولي في رجليك لا في شعرك! وفي الحال صارت رجلا خنيفسة طويلتين كالنخلة.
تابعت خنيفسة سيرها، وعندما رأت شجرة الورد قالت لها: وردك أيّتها الشجرة أحمر قاتم قبيح! ردّت عليها الشجرة: جعل الله أحمراري في عينيك لا في خدّيك! وفي الحال، احمرّت عينا خنبفسة.
وفي الطريق، قابلت خنيفسة بائع السمسم الذي انقبلت عربته، فطلب منها أن تساعده في لمّ السمسم. ولكنّها قالت له:
مستحيلّ! أنا لا أريد أن أتأخّر. وصلت خنيفسة إلى بيت الغولة فوجدتها جالسة أمام الباب وقد كان شعرها أشعث. قالت خنيفسة للغولة متعجرفة: أرسلتني أمّي لأعيد الغربال الذي استعارته أختي أمس.
طلبت الغولة من خنيفسة أن تنظّف لها البيت فأجابتها خنيفسة بكبرياء:
هذا عمل لا أقوم به. أنا لم أتعوّد على تنظيف البيوت.
قالت لها الغولة: إذن تعالي فلّي لي رأسي، القمل يضايقني. ردّت عليها خنيفسة: أفّ! هذا عمل مقرف. أنت عجوز قذرة. ابحثي عن غيري!
غضبت الغولة، وسحبت خنيفسة من ذراعها وأدلتها في البئر وقالت:
يا بئر،يا بئر، أعطيها الكثير من العقارب. يا بئر يا بئر أعطيها الكثير من الخنافس. يا بئر، يا بئر أعطيها الكثير من الصراصير.
ثم أخرجتها من البئر وقالت لها: أنت فتاة أنانيّة طويلة اللسان. عودي إلى بيتك قبل أن أجوع فاكلك!
رجعت خنيفسة إلى بيت أبيها وقد طالت ساقاها، واحمرّت عيناها، وعلقت العقارب والصراصير بشعرها وجسمها.
ومرّت الأيّام وازدادت زليزلة جمالا، وطلبها للزواج شبّان كثيرون. اختارت منهم من أحبّته، وتزوّجا وعاشا سعيدين وأنجيا بنين وبنات.
أمّا خنيفسة، فقد بقيت في بيت أبيها تبكي وتنوح نادمة على ما صدر منها.